السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
ملخص أحكام قيام الليل في رمضان وغيره
1. قيام الليل سُنة مؤكدة ، وقربة عظيمة ، فقد توافرت النصوص من الكتاب والسنة على الحث عليه، والترغيب فيه ، فمن ذلك :
قوله تعالى "يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلا" .
وقوله تعالى : "ومن الليل فتهجد به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا" .
وقوله صلى الله عليه وسلم : "أفضل الصلاة بعد المكتوبة يعني الفريضة صلاة الليل" رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
وقوله صلى الله عليه وسلم : "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن" رواه الترمذي من حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه .
وقوله صلى الله عليه وسلم : "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا ، حين يبقى ثلث الليل الآخر. فيقول: من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟من يستغفرني فأغفرله؟" أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
2. شُرع قيام الليل في أوائل العهد المكي ؛ لما فيه من الأثر الكبير في تقوية الإيمان وتربية النفس .
3. وقت قيام الليل من بعد صلاة المغرب إلى طلوع الفجر ، قال الإمام أحمد : قيام الليل من المغرب إلى طلوع الفجر .
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى بين المغرب والعشاء ؛ فعن حُذيفة رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصليت المغرب فصلى إلى العشاء . رواه النسائي .
وثبت كذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء ؛ فقد أخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى :"تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعا ومما رزقناهم ينفقون" قال : يصلون ما بين المغرب والعشاء . قال العراقي: إسناده جيد .
وما بعد المغرب يُعد من الليل شرعا ولغة وعرفا .
4. أفضله ما كان بعد نوم ، أو في وقت نوم الناس ، وأحسنه ما كان بعد دخول ثلث الليل الأخير ، ثم ما بعد نصف الليل ؛ لقوله تعالى : "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا" ، والتهجد هو الصلاة بعد النوم .
وقال صلى الله عليه وسلم : "إن في الجنة غُرفا يُرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام ، وأفشى السلام ، وألان الكلام ، وتابع الصيام ، وصلى بالليل والناس نيام" رواه البخاري من حديث أبي مالك الأشعري .
والليل يبدأ من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر .
5. لم تُوقت الشريعة في قيام الليل عدداً معيناً من الركعات لا باستحباب الاقتصار على عدد معين ، ولا بمنع الزيادة عليه ، ولو كان فيها تحديد لا يتغير بتغير الأحوال لجاء بيانه في الكتاب والسنة ؛ كما بُيِّن نظائره من مقدار الوتر ومدة المسح في السفر والحضر ، وعِدد المطلقة بالحِيَض لذوات الحيض ، وبالأشهر للآيسة والصغيرة ؛ فما من أمر تعبدي يُقصد فيه العدد حدا لا يتغير بتغير الأحوال إلا وبينته الشريعة أوضح بيان وأجلاه .
ولهذا لم يرد عن السلف ولا من بعدهم من الأئمة القول بمنع الزيادة على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو بدعيته ؛ بل ولا باستحباب الاقتصار على عدد معين ، ولا يُظن بهم أن يدعوا بيان هذه الأحكام ؛ فعليه فإن القول بذلك مخالف لما استقر عليه هدي الصحابة وعملهم .
وأما قول عائشة رضي الله عنها : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة . متفق عليه . فالجواب عنه أنه قد ثبت في حديث ابن عباس أنه صلى ثلاث عشرة ركعة ؛ فلم تكن الإحدى عشرة حدا في ذلك .
وما ثبت في هذين الحديثين إنما هو حكاية لما كان عليه صلى الله عليه وسلم من إطالة القيام وتقليل الركعات ، وما يطيقه صلى الله عليه وسلم من الإطالة العظيمة ؛ حتى إنه قرأ البقرة والنساء وآل عمران في ركعة ؛ فلا يتمكن من الإتيان بأكثر من هذا العدد إلا أن يصلي من النهار .
وإذا اختلف الناس في فهم النصوص وجب أن يكون الفيصل في هذا هو فهم السلف ، وقد ظهر في هديهم أنهم صلوا أكثر من ذلك دون نكير من أحد منهم ، أو تنبيه إلى الأفضل ؛ فالحجة إذا في فهمهم الذي اتفقوا عليه ، وإذا لم يكن فهمهم فاصلا للنزاع فأي شي تعنيه الأثرية واتباع السلف ؟
ولا يصح أن يقول قائل : إن ما اقتصر عليه النبي صلى الله عليه وسلم خير مما زاده غيره ؛ إذ أن الأمر ليس من باب التعارض بين هديه وهدي غيره إنما هو من باب اعتبار عمل الصحابة ـ الذي اتفقوا عليه ـ طريقا لفهم هديه .
وإنما نعى أهل الأثر على أهل البدع طريقهم في الاستدلال بعمومات النصوص ومطلقاتها دون اعتبار لهدي أصحابه فعلا وتركا .
وأحسن مثال يوضح هذا أن السنة قد دلت في الظاهر على مشروعية وضع الجريد على القبر بعد دفن الميت ؛ حيث ثبت هذا بقوله صلى الله عليه وسلم وفعله ؛ فاعتبره أهل الأثر غير مشروع لأجل ترك جمهور الصحابة لذلك رغم وجود المقتضي وانتفاء المانع ، وحرصهم العظيم على نفع الأحياء والأموات ؛ فجعلوا من هذا الترك ـ الذي هو أقل درجة من دلالة الفعل ـ طريقا لفهم قوله وفعله صلى الله عليه وسلم .
فكيف بفعلهم وفي محضر من فقهاء الصحابة ومفسريهم ؟
وإذا كان الصغير في العلم في الوقت الحاضر الذي لا يُقتدى به قد أُثر عنه ذكره استحباب الاقتصار على الإحدى عشرة ركعة ؛ فلم لم يرو مثله عن جبال العلم وأهل الأثر من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ إلا أن يكون ذلك دليلا على إطباقهم واتفاقهم على أن الأفضلية المطلقة ليست في العدد وحده ؛ وإنما هي في اعتبارات أخرى .
إن التزام هذا المشرع قضية منهجية ، والتفريط فيه هنا تناقض يعود على المنهج الأثري بالبطلان ؛ إذْ إن كل مبتدع سيتهم القائل بأفضلية الاقتصار على الإحدى عشرة ركعة بأنه يكيل بمكيالين ؛ فمرة يعتبر هدي الصحابة في فهم النصوص ومرة يتركه .
وإذا ظهر جليا أن الأفضلية ليست في الاقتصار على هذا العدد فإن أقرب ما يُحمل عليه هذا التنوع هو أن المعتبر روح الصلاة وهو الخشوع والتدبر مع مراعاة الجماعة طاقة وتحملا .
وهذا ما مال إليه ابن تيمية رحمه الله تعالى ؛ فقد قال : ( .. إن نفس قيام رمضان لم يوقت فيه النبي صلى الله عليه وسلم عدداً معيناً، بل كان هو صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يطيل الركعات، فلما جمعهم عمر على أُبي بن كعب، كان يصلي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث، وكان يخفف القراءة بقدر ما زاد من الركعات ؛ لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة، ثم كان طائفة من السلف من يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث، وآخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث، وهذا كله سائغ، فكيفما قام بهم في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن، والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين؛ فإن كان فيهم احتمال لطول القيام بعشر ركعات وثلاث بعدها، كما كان يصلي النبي صلى الله عليه وسلم يصلي لنفسه في رمضان وغيره فهو الأفضل، وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين أفضل، فهو الذي يعمل به أكثر المسلمين، فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين، وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك، ولا يكره شيء من ذلك، وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره، ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد مؤقت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ ) .
وقال : ( .. ثبت أنّ أبي بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعة في رمضان، ويوتر بثلاث، فرأى كثير من العلماء أن ذلك هو السنة، لأنه قام به بين المهاجرين والأنصار ولم ينكره منكر، واستحب آخرون تسعاً وثلاثين ركعة بناء على أنه عمل أهل المدينة القديم... والصواب أن ذلك جميعه حسن كما نص على ذلك الإمام أحمد، وأنه لا يوقت في قيام رمضان عدد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت فيه عدداً، وحينئذ فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل القيام بالليل... فكان طول القيام يغني عن تكثير الركعات، وأبي بن كعب لما قام بهم وهم جماعة واحدة لم يمكن أن يطيل بهم القيام، فكثر الركعات ليكون ذلك عوضاً عن طول القيام، وجعلوا ذلك ضعف عدد ركعاته).
6. أقل قيام الليل ركعة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "الوتر ركعة من آخر الليل" أخرجه مسلم ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : "من أحب أن يوتر بواحدة فليفعل" رواه الأربعة إلا الترمذي .
7. الوتر سنة مؤكدة ، وهو جزء من قيام الليل ؛ ، ووقته بين العشاء والفجر ، لما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النَّعَم صلاة الوتر، ما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر" أخرجه أبو داود .
8. صفات الوتر الواردة في السنة :
1. أن يوتر بواحدة لقوله صلى الله عليه وسلم : "فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى" أخرجه البخاري ومسلم .
2. أن يوتر بثلاث ركعات سردا بتشهد واحد ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن . رواه النسائي ، وصححه النووي .
3. الوتر بخمس ركعات ؛ يتشهد مرة واحدة في آخرها ، لما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها .
4. أن يوتر بسبع ركعات يتشهد فيها مرة واحدة في آخرها ، لما رواه مسلم عن عائشة قالت : .. فلما أسن نبي الله وأخذه اللحم أوتر بسبع .
وله أن يتشهد في السادسة ثم يقوم إلى السابعة ويسلم ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها الذي جاء فيه: ثم يصلي سبع ركعات لا يجلس فيهن إلا عند السادسة فيجلس . رواه أحمد .
مع السلامة وفي حفظ الرحمان